يــال قسوة تلك المدينةِ ، ويـال قسوة شوارعها
بليـال قسوة الجوع والعوّز حين يخيمان في سماء الفقر
ثلاثة أيام والأرق والقلق يتسللان إلى سريري
ونصف ساعةٍ هي حصيلة نومي في ثلاثة أيام ..!!
فكم هيّ لعينةٌٌ تلك المدينة .. لعينة
تسبقني تمتمات اللعنات وأنا أطوي أرصفتها بعيداً عن ناطحات السحاب وشوارعها الخانقة
وبعيداً عن سريري والفندق الذي سجنت بين حيطانهِ أرقي ووحدتي
طويتها إلى أن طوتني الأرصفة البعيدة والمُغرقةِ ملامحها في الفقر والموغلةُ في البؤس
هاتفتها ورغم البُعد رأيت الحزن في تعابير صوتها
فأسفتُ لحالي ولحالها
وعّدتـُها .. وأقسمتُ لها أن غيابي لنيطول
- أعدكِ يا أمي أني سأعود .. سأعود يا حبيبتي
فما عدتُ أحتمل البقاء في هذا الجحيم
أُحدثُها كما كانت تحُدثتني الشوارع وتحُدثتني الأرصفة
أتأمل نبرات صوت أمي الخانقة الخائفة
وعينا يتتأملان تلك الوجوه الكادحة البائسة
وأطفالُ ُ التفوا من حولي .. يريدون بيعي أيشيء .. أي شيء
ووحدها من بينهم كانت منشغلة ً في أمرها .. في مصابها
ولم يكن طولها ليسعفها لتقبيل يد السائح البدين الذي كسر بثقلهِ ميزانها القديم
فنزلت تـُقبل أقدامهُ القذرة
يفطرُ القلب نحيب بكائها .. ومشهدّ ذُلـِها
فركلها بحذائهِ بعيداً
ركلها .. ومضى ..!!
لم أكن أحب التجمهر والفضول
ومشاهدة أحداث الحياة على الأرصفة
ولكن المشهد كان أقوى من أن أنصرف ..!!
فحملت جسدها الصغير
وتوقفت عن نفض الغبار خوفاً على جسدها الضعيف ، وخوفاً على ردائها القديم المتهرئ
حملتها ومضيت بها
كانت غارقة ً في بكائها .. تتحسر على مصدر رزقها
تركلني بأقدامها وتلكُم صدري وأكتافي
وكأنها تقول .. أتركني ولا تزد عليّ همي
مضيت بها إلى متجرٍ قريب
وأشرتُ لها بإصبعي إلى الميزان الجديد .. أشرتُ لها أن تأخُذه
- خـُذيه .. فهو والدنيا كلها لا تساوي ثمن ما بللتي بهِِ ردائكِ من دموع
كانت نظراتها تتعاقب عليّ وعلى الميزان
وكأنها لم تـُصدق بعدأنها ستحصل على واحدٍ جديد بهذه البساطة .!
سحبتـُهُ من مكانهِ ومددتهُ لها
وأخذتهُ بكل براءة الأرض التي اجتمعت في ملامح وجهها الحزين
وحضنتهُ إلى صدرها
حضنتهُ وهروّلت خارج المتجر
هرولت وابتعدت دون أن تلتفت إليّ .. وكأنها كانت تخشى أن أتراجع .!
اشتريت في طريق عودتي قطعة دجاج ملفوفةٍ بخبزةٍ صغيرة
وبطاطا مقلية
وعصير ملون ترتوي منهُ العيون قبل العروق
وعدتُ إلى نفس الرصيف .. عليّ أجدها هناك
وكانت جالسة ً بقرب ميزانها .. تنتظر من يتصدق عليها بوضع شحومه فوق ميزانها
مددت الطعام لها
وبدأتتمضغ الأكل بفكيها الصغيرين
وعيناها تـُحدث عيناي
- كانت حيرة عيناها تسألاني .. من أنت ؟
ومن أين أتيت ؟
ولماذا أنا؟
- آهٍ يا صغيرتي لو تعرفين من أنا ومن أين أتيت ؟
خلافُ ُ تافهمع إخوتي .. زلزلت بعدهُ الأرض تحت أقدامهم
وحملت حقائبي وتركت لهم المنزل
لا بل تركت لهم البلاد كلها لينعموا بها
ولا أعرف إن كُنت أعاقبهم أم أعاقبنفسي .!
ركبت بعدها أول طائرةٍ مغادرة
وجلبتني إلى هنا .. إلى هذاالرصيف
جئتُ من دياري كي ألقاكِ يا حبيبتي
وكي أرى كمأنتي كبيرةٌ يا صغيرتي .. وكم أنا تافه .!
وها وها واكد اني بدي تقيمات من عشاني كوكي